مهرجان للسينما العربيّة في القدس | حوار

نيفين شاهين، خلال افتتاح «مهرجان القدس للسينما العربيّة»

 

انطلقت فعاليّات «مهرجان القدس للسينما العربيّة» بدورته الأولى، مساء يوم الخميس الموافق 25 آذار (مارس) 2021، وتستمرّ فعاليّاته حتّى مساء الإثنين، 29 آذار (مارس). هذا المهرجان مبادرة جديدة من «مؤسّسة آرت لاب» – القدس، وهي مؤسّسة فلسطينيّة مستقلّة تأسّست عام 2015، وتنشط في ميدان الثقافة والفنون، وتُولي أهمّيّة خاصّة للإنتاج البصريّ.

في شهر الأرض والمرأة، ينجح هذا المهرجان في إحياء عروبة القدس، وإشغال جمهورها بحدث ثقافيّ عربيّ صرف وجديد ومميّز وخاصّ بالمدينة، تقوم على فكرته امرأة تبعت شغفها فخلقت مهرجانًا جديرًا بكلّ التقدير، نيفين شاهين، من القدس، مؤسِّسة المهرجان ومديرته. تعمل في الوسط الثقافيّ منذ نحو 18 عامًا، أسهمت في تصميم مبادرات ثقافيّة ومجتمعيّة وتنفيذها، في العديد من المناطق المهمّشة بالتعاون مع مؤسّسات فلسطينيّة وعربيّة.

افتُتح المهرجان بعرض الفيلم الروائيّ الفلسطينيّ «200 متر» للمخرج أمين نايفة، وبطولة علي سليمان ولنا زريق والممثّلة القديرة سامية قزموز - بكري. فيلم حائز على جوائز عربيّة وعالميّةـ يعكس هذا الفيلم واقع القرى الفلسطينيّة، الّتي عزلها جدار الفصل العنصريّ عن امتدادها الطبيعيّ، وشكّل حاجزًا بين عائلات، فبات لقاؤها عسيرًا رغم أنّ المسافة لا تتعدّى الـ 200 متر. يخوض هذا الفيلم مغامرة تحدّي الجدار والحواجز ليلتقي مصطفى بزوجته وابنه الّذي يخضع لعمليّة جراحيّة. أمّا فيلم الافتتاح الآخر، المصريّ الجنسيّة للمخرج سامح علاء، فهو فيلم روائيّ قصير عصريّ الشكل جريء الطرح، يصوّر مغامرة الشابّ آدم البالغ من العمر 16 عامًا، وتحدّيه للمألوف؛ أملًا في رؤية حبيبته الغائبة، ولو في آخر أيّام حياتها.

حول المهرجان وفكرته وكواليسه وفرص نجاحه، كان لنا حديث في فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة مع نيفين شاهين، الّتي وصفت المهرجان بقولها: "هذا ليس مجرّد حدث ثقافيّ، إنّما مساهمة حثيثة لإحياء ملامح المدينة وإعادة الاعتبار إلى شخصيّتها، مساهمة لفكّ قيود المدينة المحاصرة وعزلتها، وإضاءة فضائها، وإعادة التواصل، ومدّ الجسور بين القريب والبعيد. اختيار القدس بكلّ رمزيّتها ومكانتها شجّع الإخوة العرب على تقديم أفلامهم دون أيّ بدل مادّيّ؛ فالقدس حاضرة في وجدانهم، وتعني لهم الكثير، ولولا هذا الحبّ وهذه المكانة الخاصّة للقدس ما استطعنا إنجاز الدورة الأولى من المهرجان.

 

فُسْحَة: ما الحاجة إلى مهرجان سينمائيّ في مدينة القدس؟

نيفين: إلى جانب قدرة السينما على الانتشار ومخاطبة الناس، فهي أيضًا أداة فاعلة لمواجهة طمس هويّة المدينة الثقافيّة، والمساهمة في الحفاظ على الخصائص والمميّزات الثقافيّة والتاريخيّة لمدينة القدس.

يغيب النشاط السينمائيّ المتواصل عن القدس لأسباب عدّة، فالتكلفة المادّيّة لفتح دور سينما باهظة جدًّا، وسكّان القدس يعانون من ثقل الضرائب والتكلفة العالية للمعيشة، يُضاف إليها عدم وجود تمويل لمشاريع جادّة، ضمن القطاع الثقافيّ عامّة والسينمائيّ خاصّة، في القدس. لذا؛ فإنّ هذا المهرجان فرصة لتفعيل المدينة الّتي لطالما كانت تتصدّر المشهد الثقافيّ فلسطينيًّا وعربيًّا، وإنعاش الحبّ المرتبط بمدينة لطالما حلم الجميع باستنشاق هوائها، واستكشاف كنوزها وخفاياها المسروقة، إضافة إلى تأمين فسحة من المتعة والترفيه لأهل القدس. 

أمّا عربيًّا، فلأنّ المدينة معزولة تمامًا عن محيطها العربيّ؛ فتُعتبر إقامة مهرجان للسينما العربيّة فرصة للتفاعل مع التجارب السينمائيّة العربيّة، ومع الحياة الثقافيّة والإنسانيّة العربيّة بشكل عامّ.

 

فُسْحَة: يُتيح المهرجان جميع فعاليّاته وعروضه مجّانًا!

نيفين: صحيح؛ لأنّ هدف المهرجان بالأساس خَلْقَ حاضنة للسينما، وانكشاف الجمهور على السينما المستقلّة والهادفة والموضوعيّة، الّتي تناقش قضايا مشتركة، وتعيد اكتشاف القيم الجماليّة في محيطنا العربيّ. ثمّ – وهو الأهمّ – نقل السينما من عروض النخبة إلى العروض لعموم شرائح المجتمع وأفراده، بصرف النظر عن اهتماماتهم أو قدراتهم المادّيّة وإشراكهم في متعة المشاهدة الهادفة، وسدّ حاجة أساسيّة للنهوض بالواقع الثقافيّ والفنّيّ لمدينة القدس. حرص المهرجان أيضًا على إقامة الندوات والورشات، الّتي تسهم في تنمية المهارات والقدرات السينمائيّة، ونقل الخبرات السينمائيّة. شعار المهرجان هو أنّ السينما للجميع؛ بمعنى توفير الأدوات والوسائل الّتي تتيح تحقيق هذا الهدف أو هذا الشعار، وذلك من خلال اقتراب الفيلم إلى أماكن وجود الناس، في الأماكن العامّة من ساحات وحدائق، فضلًا على المؤسّسات التربويّة والتعليميّة من مدارس ومراكز ثقافيّة واجتماعيّة، حيث سنكون هناك قريبين تمامًا من نبض المواطن المقدسيّ، ونحرص على إدماجه بفنّ السينما الراقي.

 

فُسْحَة: لماذا اخترت عرض الأفلام العربيّة فقط، وليس أفلامًا متنوّعة الجنسيّات؟

نيفين: اختيارنا للأفلام العربيّة يأتي ضمن اهتمامنا ورغبتنا في تنوّع العروض في فلسطين، فـ «مهرجان أيّام فلسطين السينمائيّة» يستضيف أفلامًا من مختلف الجنسيّات في العالم، و«مهرجان إيليا للأفلام القصيرة» يقتصر على الروائيّ القصير، وهنا يأتي دورنا وتخصّصنا بالسينما العربيّة؛ لأنّه المكان الوحيد الّذي يتيح عرض الأفلام العربيّة الروائيّة الطويلة والقصيرة، وكذلك الوثائقيّة. الأفلام المعروضة تأتي من دول عربيّة مختلفة، ونطمح إلى أن تكون الدول العربيّة كلّها ممثّلة في الدورة القادمة.

 

فُسْحَة: كيف سيضمن المهرجان الاستمراريّة لسنوات قادمة، وتحويله إلى جزء من المشهد العامّ المقدسيّ؟

نيفين: نجاحنا الأوّل كان تحدّي العقبات وإطلاق المهرجان، ونجاح العروض سيكون هو الكفيل باستكمال المشوار الّذي بدأناه، أضيف إلى ذلك اختيار لجنة التحكيم وأهمّيّتها لإعطاء مصداقيّة للمهرجان.

 

فُسْحَة: ما أهمّ التحدّيات الّتي واجهت التنظيم؟

نيفين: كانت التحدّيات كثيرة، أهمّها إمكانيّة التواصل مع فريق عمل متنوّع، يسكن الضفّة وعددًا من الدول العربيّة. كذلك تحدّي إيجاد التمويل في ظلّ ظروف الجائحة. أمّا التحدّي الثالث - وربّما الأهمّ - فهو عدم وجود دور عرض متخصّصة؛ الأمر الّذي جعلنا نجتهد لتحضير بعض المواقع، للتناسب مع الرغبة في عرض الأفلام بطريقة مهنيّة وجميلة. أضيف إلى ذلك أنّ الجمهور السينمائيّ يكاد يكون غائبًا، بسبب عدم توفّر عروض بشكل منظّم في المدينة، ورؤيتنا المستقبليّة إنشاء أندية سينما تتابع ما هو جديد، وتنظّم عروضًا ثابتة لتشجيع الذائقة السينمائيّة وتطويرها.

 

فُسْحَة: كيف ستُمنَح الجوائز للأفلام الفائزة؟

نيفين: بما أنّه يصعب استقبال المخرجين العرب في فلسطين؛ ارتأينا إعلان أسماء الأفلام الفائزة، والتنسيق لتقديم الجوائز ضمن مهرجان مرموق، تكون دولة الفيلم الفائز ممثّلة فيه، كمهرجان «برلين» أو «كان» أو «القاهرة».

 

 

سماح بصول

 

 

تسكن في الرينة، شمال فلسطين. صحافيّة، محرّرة 'دوغري نت' بالعربيّة، ومركّزة مشروع الإعلام العربيّ في مركز 'إعلام'. حاصلة على البكالوريوس في اللغة العبريّة وأدبها، والماجستير في ثقافة السينما، وتدرس حاليًّا الماجستير في الأدب العربيّ.